والواقع أني لا أعتقد أني سأضيف شيئًا لما قيل وكتب بشأن الخطاب الملكي السامي، الذي أثار موجة ردود أفعال إيجابية في الداخل والخارج، وهذا النوع من الخطب التاريخية يسمّى بالفرنسية [discours choc]، لأنه يخرج النائم من نومه، ويوقظ اللامبالي من غفوته، بما يتضمّنه من قرارات شجاعة، وأفكار جديدة، لا يسع المواطن أمامها إلا أن يفكّر ويحلّل، ويتدبّر ليخلص إلى تصور لما يراد أن يكون عليه الوطن مستقبلا.. لقد كان الخطاب واضحا أشدّ ما يكون الوضوح، وطموحا أشدّ ما يكون الطموح، وثبت عند الجميع أن النظام الملكي هو أحسن الأنظمة على الإطلاق، بتقاليده، وأخلاقياته، وسلاسته، ومرونته، وقابليته للتطور، وللتكيّف مع كل الظروف، والمتغيرات التاريخية بالإضافة إلى انعدام الطائفية في ظله، واختفاء النعرات الدينية والمذهبية، وقس على ذلك ممّا يمزّق الأمة، ويحدث الفرقة، ويفكّك الصفوف؛ فهذا الخطاب الملكي السامي يعتبر ثورة بحكم أهدافه ومراميه، وقد سبق أن رأينا واستعرضنا بعضا من تعريفات "الثورة"، واكتشفنا أن كل ما يهدف إلى تغيير عملي، وإلى تجديد، فهو بمعنًى ما [ثورة].. لكن لكل ثورة خصومها؛ ولكل ثورة مستغلّوها، ولكل ثورة قِردتُها ومرَدَتُها، ولكل ثورة متضرّرون، وهم الفاسدون القدامى والانتهازيون، وعبدة المناصب، وقساوسة المال، ورهبان الإسهال الكلامي، بالإضافة إلى الطامحين، والطامعين للدخول إلى بستان الأمة، بهدف ملء البطون، والشّرب، شرْب الهيم.. وهكذا، وبمجرّد أن انتهى جلالة الملك من خطابه الثوري الصريح والواضح، حتى أصيب الفاسدون بعضهم بنزلة برد حادة، وبعضهم بحمى ملتهبة، فتداونوا، وتشاوروا، وتحاوروا، وتساءلوا عن مصيرهم، وعن مناصبهم، وعن وضعهم المتميّز دوما وأبدًا؛ وخافوا عند سماعهم شفافية ونزاهة الانتخابات، واستقلالية القضاء، وصاروا يرجون "اللطف فيه"، بعدما عجزوا عن ردِّه.. ثم تساءلوا عن طبيعة الشعار الذي سوف ترفعه أحزابهم، وعن نوعية البرامج التي سوف يقنعون بها، وعن شكل الخطاب الذي سوف يعتمدونه، وعن التاريخ [المجيد] الذي سوف يذكّرون الشعب به، وعن حصيلة المنجزات التي حقّقوها للمواطن، طيلة سنين طويلة خلت، وعن [الخناشيش] التي سيقدّمون صورها للناخب، بعدما يخترعون لها مزايا، وينظمون فيها شعرا يمدح أخلاقها وصدقها ووطنيتَها، كي يصير الذئب راعيا، والعتريس بستانيا والكذاب نبيا واللص حاميا.. وأنا أنصح كل مواطن صادق، أن يكفّ عن هذه المظاهرات المملّة، التي صارت رتيبة، ومتشابهة، وباهتة إلى درجة أن الشعب ملّها؛ وبدلا من هذه المظاهرات التي يهدف منظموها إلى أشياء أخرى، على المواطن الصادق والشاب الحر الملتزم أن يضع تصورا وبرنامجا لمواجهة هذه الأحزاب المفلسة، التي نهبت خيرات الوطن، وقطعت الطريق عن كل الكفاءات، وهمّشت المؤهلات، وقذفت بشبابنا في البحر الأبيض المتوسط، وكسّرت أمام برلمان غير شرعي عظام معطّلينا، وألهبت الأسعار، وباعت من دون استشارة كل قطاعاتنا في المزاد، واقتطعت من أجورنا بعد الإضرابات، وتغيّبت في الجلسات البرلمانية، ووزّعت حقائب ومناصب على الأبناء، والعائلات، وأجزلت العطاء من أموال الشعب للولاءات، ثم قهرتنا بالقرارات المجحفة، وبالمدوّنات المتلفة، وبالإصلاحات الكاذبة المكلفة، وسلّطت علينا رجالها ونساءها، وسكبت علينا ساديتها في كل قطاع.. أيها الشباب، في الوقت الذي تضيعون فيه وقتا ثمينا في مظاهرات فارغة، يكون دهماء الأحزاب يفكّرون في الانتخابات المقبلة لإزاحتكم، ولاستغلال ثورتكم.. أفيقوا من فضلكم، وأقيموا تنسيقيات وقدّموا مرشّحيكم، واقطعوا الطريق أمام مذلّيكم، من أحزاب مترهّلة، هرمة تجاوزها الزمن، من منظمات فارغة تستخدمكم، من جمعيات متسوّلة تعتمد خطابكم، وبالجملة: أيها المغاربة أفيقوا من نومكم !
طباعـةإرسـالتعليـق
طباعـةإرسـالتعليـق